مراجعة المشهد الحالى تؤكد بلا شك ان التاريخ يعيد نفسة بصورة لا رتابه فيها، فبالأمس تخلص الجيش من رئيس مصر الأول ( محمد نجيب ) عندما حاول ان يفرض رؤيته الاصلاحية والتى تتضمن تحييد لدور الجيش المصرى فى السياسية، وترك الامر للمدنيين، حيث نادى محمد نجيب بالديمقراطية وعودة الحياة النيابية، وغيرها من الاستحقاقات الديمقراطية، التى كانت ستمثل فى حال نجاحها، بداية حقيقية لجمهورية مصر الديمقراطية الحديثة، ولو كان محمد نجيب استطاع ان يحارب من اجل قضيتة، لكان حال مصر مختلف اليوم.
كان التخلص من محمد نجيب عن طريق مظاهرات ( مدعومة من الظباط الاحرار ) وذلك للإطاحة بمحمد نجيب، واستطاعو ان ينجحو فى مخططهم، حيث تم الاطاحة به ووضع قيد الاقامة الجبرية حتى وافته المنية، ولم يقتصر الامر على شخص محمد نجيب، بل ان تاريخة ايضا ظل قيد الاقامة الجبرية، فمحى اسمه وتاريخة، ونشانا لا نعلم اى شئ عن رئيس مصر الاول.
والان فإن النظر الى ثورة 30 يونيو ( والتى حماها وأيدها الجيش المصرى ) جاءت للإطاحة بمحمد مرسى ( والذى قد نختلف عليه او نتفق )، واستطاع الجيش الاطاحة به ووضعه قيد الاقامة الجبرية، وكانت الخطة تقضى ببقاءه قيد الاقامة الجبرية ( كما حدث مع نجيب ) حتى وفاته، الا ان احداث الحرس الجمهوري ( والعديد الكبير من الوفيات )، ادت الى تعديل طفيف فى الخطه، ووضع محمد مرسى فى السجن.
وكما أخذ جمال عبد الناصر مكان محمد نجيب عن طريق استفتاء شعبى، تم الحشد والترتيب له بأتقان، فان السيسي حل مكان مرسى عن طريق انتخابات هزلية تمثليله ( امام مرشح ضعيف )، يكاد يتفق الغالبيه انه أجبر على البقاء فى السباق الانتخابى حتى النهاية.
محمد نجيب ( ولد فى الخرطوم - السودان ) أول حاكم مصري يحكم مصر حكما جمهورياً بعد أن كان ملكياً بعد قيادته
لثورة 23 يوليو 1952.
عزلة الجيش بعد ان خرجت مظاهرات عمالية ضده ( مدعومه من الجيش ) وذلك بسبب دعواته الى عودة الجيش الى ثكناته وعودة الحياة النيابية، وتولى جمال عبد الناصر رئاسة الجمهورية من بعدة عن طريق استفتاء شعبي.
تم وضع محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية مع أسرته بعيدا عن الحياة السياسية لمدة 30 سنة مع منعه من الخروج أو مقابلة أي شخص من خارج أسرته حتى أنه ظل لسنوات عديدة يغسل ملابسه بنفسه، وشطبوا اسمه من كتب التاريخ والكتب المدرسية - وفي سنواته الأخيرة نسي كثير من المصريين أنه لا يزال على قيد الحياة حتى فوجئوا بوفاته في 28 أغسطس 1984.
- كان أول خلاف بينه وبين ضباط القيادة حول محكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي، ثم حدث خلاف ثاني بعد صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين، وزاد الصدام بينه وبين مجلس القيادة عندما اكتشف أنهم ينقلون الضباط دون مشورته. وذكر في مذكراته أنه اكتشف أن رجال الثورة كانوا قد عقدوا العديد من الاجتماعات بدونه، كل هذه الأمور دفعته لكي يفكر جديا في تقديم استقالته.
قدم محمد نجيب استقالته الى مجلس قيادة الثورة، وفي 25 فبراير أصدر المجلس بيان أقاله محمد نجيب، وحاول البيان الانتقاص من دوره وتشويه صورته أمام الجماهير فقد أكد البيان أن محمد نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس وأن يكون له حق الاعتراض علي قرارات المجلس حتي ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع، وادعي البيان أنه اختير قائدا للثورة قبل قيامها بشهرين، وانه علم بقيام الثورة ليلة 23 يوليو من مكالمة تليفونية من وزير الداخلية فتحرك إلي مبني القيادة وهناك تقابل مع عبد الناصر الذي وافق علي ضمه وتنازل له عن رئاسة المجلس.
حينما أذيع بيان إقالته علي الملأ خرجت الجماهير تحتج عليه وانهالت البرقيات علي المجلس ودور الصحف ترفض الاستقالة. واندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام تؤيد نجيب وكانت الجماهير تهتف (محمد نجيب أو الثورة) وفي السودان اندلعت مظاهرات جارفة تهتف (لا وحدة بلا نجيب)، وانقسم الجيش بين مؤيد لعودة محمد نجيب وإقرار الحياة النيابية وبين المناصرين لمجلس قيادة الثورة.
أشرفت البلاد علي حرب أهلية وتداركا للموقف أصدر مجلس القيادة بيانا فى 27 فبراير 1954 جاء فيه «حفاظا علي وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته علي ذلك».. وهكذا عاد محمد نجيب إلي الحكم علي أكتاف الجماهير التي خرجت في مظاهرات شعبية لم تعدها مصر من قبل.
- في 28 مارس 1954 خرجت أغرب مظاهرات في التاريخ تهتف بسقوط الديمقراطية والأحزاب (والتى كان يدعو اليها محمد نجيب ويرفض بقاء الجيش فى السياسة)، ودارت المظاهرات حول البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الدولة وكررت هتافاتها ومنها «لا أحزاب ولا برلمان»، ووصلت الخطة السوداء ذروتها، عندما قام رئيس اتحاد عمال النقل بدفع العمال إلي عمل إضراب يشل الحياة وحركة المواصلات، وشاركهم فيها عدد كبير من النقابات العمالية وخرج المتظاهرون يهتفون « تسقط الديمقراطية تسقط الحرية !!.
وفى نوفمبر 1954 أعلن مجلس قيادة الثورة قرار إعفاء محمد نجيب من منصب رئاسة الجمهورية.
يقول نجيب في مذكراته:"لقد خرج الجيش من الثكنات.. وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلي الآن في مصر، كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويا.فأصبح لكل منهم «شلة» وكانت هذه الشلة غالبا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورا لا في التحضير للثورة ولا في القيام بها".
كانت غرفته في فيلا المرج مهملة بها سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه، وكان يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة يداوم علي قراءة الكتب المختلفة في شتي أنواع العلوم، خاصة الطب والفلك والتاريخ، ويقول محمد نجيب: «هذا ما تبقي لي، فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة».
أثناء العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 تم نقله من معتقل المرج إلي مدينة طما في سوهاج بصعيد مصر وقيل إنه كان من المقرر قتله في حاله دخول الإنجليز القاهرة وذلك بعد أن سرت إشاعه قوية تقول إن إنجلترا ستسقط بعض جنود المظلات علي فيلا زينب الوكيل في المرج لاختطاف محمد نجيب وإعادة فرضه رئيسا للجمهورية من جديد بدلا من الرئيس جمال عبدالناصر ولكن بعد فشل العدوان تم إعادته إلى معتقل المرج. وجري التنكيل به حتي إن أحد الحراس ضربه علي صدره في نفس مكان الإصابة التي تعرض لها في حرب 1948، كتب محمد نجيب عن ذلك في مذكراته: «يومها هانت علي الدنيا. فقررت أن أضرب عن الطعام». وأثناء نكسة 1967 ارسل برقية لجمال عبدالناصر يطلب منه السماح له بالخروج في صفوف الجيش باسم مستعار الا انه لم يتلق أى رد منه.
ظل محمد نجيب حبيس فيلا المرج حتي تم إطلاق سراحه بواسطة الرئيس السادات عام 1971 . ورغم هذا ظل السادات يتجاهله تماما كما تجاهله باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة. يقول محمد نجيب في مذكراته:
« قال لي السادات: انت حر طليق !! لم أصدق نفسي هل أستطيع ان اخرج وادخل بلا حراسة هل استطيع ان اتكلم في التلفون بلا تصنيت هل استطيع ان استقبل الناس بلا رقيب !!.
لم اصدق ذلك بسهولة. فالسجين في حاجة لبعض الوقت ليتعود على سجنه، وفي حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته. وانا لم اكن سجينا عاديا كنت سجينا يحصون انفاسه. ويتصنتون على كلماته ويزرعون الميكرفونات والعدسات في حجرة معيشته. وكنت اخشى ان اقترب من أحد حتى لا يختفي. واتحاشى زيارة الاهل والاصدقاء حتى لا يتعكر صفو حياتهم. وابتعد عن الأماكن العامة حتى لا يلتف الناس حولي، فيذهبون وراء الشمس، ولكن بعد فترة وبالتدريج عدت إلى حريتي وعدت إلى الناس وعدت إلى الحياة العامة.
وياليتني ما عدت. فالناس جميعا كان في حلقها مرارة من الهزيمة والاحتلال. وحديثهم كل شكوى وألم ويأس من طرد المحتل الإسرائيلي. وبجانب هذه الاحاسيس كانت هناك أنات ضحايا الثورة. الذين خرجوا من السجون والمعتقلات ضحايا القهر والتلفيق والتعذيب. وحتى الذين لم يدخلوا السجون ولم يجربوا المعتقلات، ولم يذوقوا التعذيب والهوان كانوا يشعرون بالخوف، ويتحسبون الخطى والكلمات. وعرفت ساعتها كم كانت جريمة الثورة في حق الإنسان المصري بشعة.
وعرفت ساعتها اي مستنقع القينا فيه الشعب المصري. فقد حريته. فقد كرامته. فقد ارضه. وتضاعفت متاعبه. المجاري طفحت. المياة شحت. الأزمات اشتعلت. الأخلاق انعدمت. والإنسان ضاع.»
0 comments:
إرسال تعليق