لا أجد مبرر لهذا التحول الكبير الذى رأيته فى أراء العديد من المصريين بعد خطاب الرئيس الأخير والذى خاطب فيه مشاعر المصريين وعواطفهم .
فالعديد من المصريين المناهضين لسياسات الرئيس مبارك والداعين لرحيلة عن السلطة قد أصيبوا بحالة من الصدمة بعد هذا الخطاب ، وفجأة أنقسم الشعب الى فرقتين أحدهما تدعو الى رحيل فورى من السلطة والأخرى تجاوبت مع خطاب الرئيس وطالبت ببقاءه فى السلطة الشهور المتبقية من ولايتة الشرعية.
وأذا نظر أحد من الخارج الى هذا التحول سيعتقد أن المصريين قد أصبحوا ضحية لنوع من أنواع السحر الذى بثه الرئيس من خلال كلمات خطابة الأخيرة، فمن يصدق أن المتظاهرين اللذين طالبوا برحيل الرئيس بل ومحاكمتة قد تحولوا فى ليله واحدة الى مؤيدين يهتفون بحياتة ..
وأعتقد أن سبب هذا التحول والانقسام فى الشعب المصرى " العاطفى" يرجع الى الضغط العصبى الكبير والصدمة الهائلة التى أصابت المصريين خلال الأيام الاخيرة ، من خلال العديد من الأحداث المتسارعة بشكل لم يسبق له مثيل ، وبشكل يفوق قدرات تحمل الكثيرين جعلت الأمر يظهر كأنه حلم بلا نهاية.
ويمكن تفسير تلك الظاهرة عن طريق متلازمة ستوكهولم والتى أعتقد أنها اصابت قطاع كبير من الشعب المصرى ،ويقصد بمتلازمة ستوكهولم Stockholm syndromeأو كما يطلق عليها البعض متلازمة هلسنكىHelsinki Syndrome
ويقصد بها "الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له"
وتعود سبب التسمية لحادثة حصلت فى 23 أغسطس 1973م حينما حاول السجين الهارب (جان إيريك أولسون) سرقة بنك (Sveriges Kreditbanken of Stockholm) في منطقة Norrmalmstorg بوسط مدينة ستوكهولم في السويد. قام أولسون باحتجاز أربعة موظفين كرهائن لمدة 6 أيام متواصلة. عند محاولة إنقاذهم, قاوموا رجال الأمن الذين يريدون مساعدتهم ورفضوا أن يتركوا خاطفيهم. وبعد تحريرهم ورغم ما عانوه على يد خاطفيهم, إلا أنهم دافعوا عن الجانى وعن مبادئهم بل وجمعوا التبرعات للدفاع عن الجانى أم القضاء.
ويفسر ذلك بأن عندما تكون الضحية تحت ضغط نفسي كبير، فأن نفسه تبدأ لا إرادياً بصنع آلية نفسية للدفاع عن النفس، و ذلك من خلال الاطمئنان للجاني، خاصة إذا أبدى الجاني حركة تنم عن الحنان أو الاهتمام حتى لو كانت صغيرة جداً فإن الضحية يقوم بتضخيمها و تبدو له كالشيء الكبير جداً. و في بعض الأحيان يفكر الضحية في خطورة إنقاذه، و أنه من الممكن أن يتأذى إذا حاول أحد مساعدته أو إنقاذه، لذا يتعلق بالجاني.
ويمكن أن ترى تلك الحالة بوضوح فى حالة الكثيرين ممن خرجوا من المعتقلات السياسية وبالذات ان تم تعريضهم للتعذيب الجسدي أو النفسي الشديد يخرجون بصورة مغايرة تماما لما كانوا عليه وبقناعات جديدة معاكسة لموقفهم الأول ويدافعون عمن اضطهدهم بضراوة.
أثناء عملية الضغط العصبى يصاب الضحية بالرعب الشديد من الجانى, فتبدأ لديه حيلة نفسية غير واعية تسمى (Identification with the aggressor) أي أن يحب من يضطهده ويلتصق به. تقديم أي تعامل لين من قبل الجانى يزيد من حبه لهم حيث أنه يضخم من قيمة أي شيء طيب يقدم له من قبله.
بغير وعي منه, وبشكل طفولي وبريء, يشعر الضحية أن عليه أن يرضي الجانى وأن يدعمه ويدخل السرور على نفسه حتى يتجنب أذاه. يتعلم الضحية أو المضطهد بسرعة فائقة ما هي الأشياء التي تسعد الجانى فيسارع إلى تقديمها. تصل الرغبة في ارضاء الجانى الحد الذي يتجاهل الضحية رغباته وحاجاته هو نفسية كانت أو جسدية.
بعد أن يبتعد عن الجانى ويصبح في مأمن منه, يمر المصاب بهذه المتلازمة بحالة نفسية أخرى وهي أيضا حيلة نفسية غير واعية تسمى الإنكار (Denial) لكل ما مر به ويعتبره مجرد حلم. هذا الإنكار لا يبعده في الواقع عن الإعجاب بالجانى.
ينتج عن الابتعاد أيضا حالة من الحيرة بين الإعجاب والخوف من الضحية تجعل المصاب بمتلازمة ستوكهولم مترددا في أن يكره الجناه أو حتى يلقي عليهم أي لوم ويوجه اللوم كله إلى نفسه . لا يرى في الجناه أي ميزة سيئة ولا يقبل أن تقال عنهم أي شيء سلبي من قبل الآخرين.
الحيل الدفاعية النفسية (Defense Mechanisms) مثل الإنكار والاعجاب بالجانى مع شعورهم بقوة الجانى الغير محدودة كلها تتضافر في جعل الضحية يتعلق أكثر بهم. القلق والخوف الشديد تمنعه من تقبل أي خيارات أخرى للتعامل مع هذه الأزمة النفسية.
في النهاية تعتبر أعراض متلازمة ستوكهولم هي وسيلة هروب من ضغط نفسي رهيب ولكنها تتم بالتأقلم معه ، وان كانت متلازمة ستوكهولم قد ظهرت أعراضها من قبل فى شكل فردى ، الا انه من المتصور حدوثها بشكل جماعى ، كما هو حادث الأن للشعب المصرى .
0 comments:
إرسال تعليق